غدا صلى الله عليه وسلم يوزع على بقية زعماء مكة، أعطى من يعتقد أن في قلبه ضغينة للإسلام وحقد على الدولة الجديد، إما لدوافع قبلية، أو أن أقارب بعضهم قتلوا على يد المسلمين، أو أنهم نزعت زعامتهم الشخصية، فأعطى سهيل بن عمرو رضي الله عنه وهو أحد كبار زعماء مكة، والمفاوض القرشي الشهير في صلح الحديبية، والذي أسلم منذ أيام قليلة فقط في فتح مكة.
وأعطى الحارث بن هشام أخا أبي جهل وذلك ليلين قلبه، ويهون عليه مصابه في أخيه زعيم مكة سابقاً أبي جهل، وليتألف قلوب بني مخزوم.
وأعطى النضير بن الحارث أخا النضر بن الحارث شيطان قريش المعروف، والذي كان من ألد أعداء الرسول عليه الصلاة والسلام، والذي قتل في أعقاب غزوة بدر، أعطاه ليتألف قلبه، ويتألف قلوب بني عبد الدار.
وأعطى صلى الله عليه وسلم كثيراً من زعماء مكة ليضمن استقرار الأوضاع في مكة.
بعد ذلك بدأ يعطي زعماء القبائل من الأعراب من أجل أن يضمن ولاءهم وانتماءهم للدولة الإسلامية، فقد أعطى عيينة بن حصن زعيم قبيلة بني فزارة، أعطاه مائة من الإبل، وهذا الرجل كان غليظاً جداً سيئ الخلق، اشتراه صلى الله عليه وسلم بالمال في هذا الموقف، فسكن عن إحداث فتنة، وإن كانت أخلاقه لم تتغير كثيراً، فهذا الرجل ارتد بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه عاد وتاب أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وأعطى كذلك زعيم بني تميم: الأقرع بن حابس وأيضاً كان من غلاظ الطباع، وحديث الإسلام، وقبيلته بنو تميم قوية أعطاه مائة من الإبل ليتألف قلبه وقبيلته.
وكذلك أعطى العباس بن مرداس زعيم قبيلة سليم، يبدو أنه قدر قيمة العباس أقل مما قدر قيمة عيينة والأقرع فأعطاه خمسين ناقة فقط، ومع أن خمسين ناقة كثيرة جداً إلا أن ذلك لم يعجب العباس بن مرداس فطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب المزيد والمساواة مع عيينة والأقرع زعيمي فزارة وتميم، وقال العباس بن مرداس شعراً: فأصبح نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع العبيد الذي هو: الفرس حقه، يعني: يكون نصيبه أصبح هو لين بين عيينة والأقرع وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في المجمع.
فـ حصن والد عيينة وحابس والد الأقرع ومرداس والد العباس هذا.
وما كنت دون امرئ منهما ومن تضع اليوم لا يرفع يعني: من تضع قدره يا رسول الله اليوم لن يرفع بعد ذلك، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات قال: اقطعوا عني لسانه وزيدوه إلى مائة، فزادوا له في العطاء فزادوه إلى المائة.
وتعليق الرسول عليه الصلاة والسلام يشعر أن هؤلاء ما دخلوا في الإسلام إلا رغباً في هذه الأموال أو رهباً من الدولة الإسلامية.
وبعد ذلك حسن إسلام العباس بن مرداس وصار من فضلاء الصحابة رضي الله عنه.
إذاً: نجحت سياسة إعطاء المال لتأليف القلوب بتثبيت هؤلاء المسلمين الجدد على الإسلام، وبالتالي تثبيت أركان الدولة الإسلامية.
روى مسلم عن أنس رضي الله عنه أنه قال: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها.