يعلمنا الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الموقف أموراً مهمة جداً، يعلمنا الواقعية في الحياة، ليس عيباً أن نفشل في أمر من الأمور، وليس بالضرورة أن تكون كل معاركنا وكل مشاريعنا ناجحة، لكن المهم لا نغرق في العمل دون إدراك أن الهدف غير قابل للتحقيق، وليس معنى هذا سرعة اليأس، فالرسول صلى الله عليه وسلم بذل كل ما في الوسع، فقد استخدم كل وسيلة لفتح الحصن، ولكن لم يقدر، فقبل في واقعية أن ينسحب، وفرق كبير جداً بين المثابرة وبين تضييع الوقت، فالمثابرة على أداء عمل أمر مطلوب، لكن لابد أن تكون هناك مؤشرات للنجاح، لابد أن تكون هناك مقاييس تشير إلى أن هذا العمل ممكن التحقيق، ولابد أن تكون الخسائر أقل من الفوائد، من أجل هذا لابد من المتابعة والملاحظة والتقييم المستمر.
أما تضييع الوقت فهو الاستمرار في عمل يستحيل تحقيقه بالإمكانيات المتاحة، أو يتسبب في خسائر أكبر من الفوائد.
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يحقق الفائدة العظمى حتى وإن حصلت بعض الخسائر.
فنحن نلاحظ رد فعل الرسول عليه الصلاة والسلام مع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فقد أذن لهم بالقتال مع علمه أن فتح الحصن صعب جداً، لكن ليعيشوا معه في واقعيته صلى الله عليه وسلم.
ولما أيقن الصحابة بعد بصعوبة المهمة، ووافقوا على الرحيل وهم راضون، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفك الحصار ويغادر الطائف وهو يضحك.
هذه القيادة الهادئة تبث الأمن والراحة في قلوب الجنود، لا يوجد انفعال ولا عصبية، ولا تحميل الآخرين أخطاء لم يعملوها، ولا حالة غضب، ولا حالة يأس وإحباط، ولا حزن، ولا كلمة (لو)، لو فعلنا كذا لكان كذا أو كذا، بل هدوء أعصاب، ورزانة، وثقة، وقدرة على التكيف في ظل كل الظروف.
أنا سعيد بعدم فتح الطائف، قد تستغرب الناس هذا الكلام، لكن الأمر المفرح من وجهين: الأول: لو فتحت الطائف في هذه الظروف الصعبة والقتال الشرس، والمطاردة لهوازن وثقيف، والقتال في داخل الحصون، لقتل منهم ما لا يتصور، ولفقد الإسلام قوة هؤلاء جميعاً؛ لأن هوازن وثقيف أسلموا بعد ذلك، فلو قتلوا لفقد الإسلام قوتهم، ولكان عاقبتهم النار، وهذا أسوأ ولاشك.
الثاني: أن هذا الانسحاب دون إتمام المهمة فتح لنا باباً أن نفعل المثل إن تعرضنا لنفس الموقف، لكن لو أصر الرسول عليه الصلاة والسلام على عدم الانسحاب حتى يفتح الحصن، لكان في هذا إحراج كبير جداً للأمة الإسلامية؛ لأنه سيكون لزاماً علينا أن نفعل مثله، لكن بهذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم ترك الأمر لقادة المسلمين، ولرأي الشورى، إن رأى المسلمون أن الحصار يجدي صبروا كما حدث في فتح خيبر، وإن رأوا أنه أمر غير ممكن أو خسائره كبيرة انسحبوا، كما حدث في الطائف، ولهم في كلتا الحالتين أُسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم.