هنا موقف في منتهى الرقي من مواقفه صلى الله عليه وسلم وهو يغادر الطائف، قال له بعض الصحابة: يا رسول الله، ادع الله على ثقيف، فقال في حب وفي أمل: اللهم أهد ثقيفاً وائت بهم.
روى الترمذي وأحمد وقال الترمذي: حسن صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أهد ثقيفاً وائت بهم) ما غابت عنه أبداً رسالته في الحياة، فرسالته أن يصل بدعوته إلى الناس لا أن يقتلهم، ما على الرسول إلا البلاغ، حتى وإن رفض أهل الطائف الإيمان واستكبروا عنه وقاوموا وقاتلوا، فهو ما زال يرجو إسلامهم، حتى مع مرور السنين تلو السنين ما زال يرجو إسلامهم، حتى مع ذكريات الطائف في المرة الأولى، ومع واقع الطائف في المرة الثانية، ما زال صلى الله عليه وسلم يرجو إسلامهم.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجز الناس عن النار، وهم يقتحمون فيها).
وأهل الطائف يدفعون أنفسهم دفعاً إلى النار ويقتحمون فيها، والرسول عليه الصلاة والسلام حريص عليهم أكثر من حرصه على نفسه صلى الله عليه وسلم.
كذلك عندما ناداه ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين أبى صلى الله عليه وسلم أن يهلك الطائف ومكة المكرمة حتى بعد أن عرض عليه ذلك ملك الجبال.
كذلك فعل ذلك أيضاً مع قبيلة دوس لما رفضوا الإسلام قال: (اللهم أهد دوساً، وائت بهم).
وفعل ذلك مع قريش بعد أن قتلت (70) من خيار الصحابة في أحد، قال: (اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون).
فصدق الله العظيم إذ يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، ليس رحمة للمسلمين فقط، ولكن رحمة للعالمين لكل البشرية لكل الإنسانية.