أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتيقن من النبوة؛ لذا أحب أن يأتي إليه جبريل مرة أخرى ليؤكد له أمر الرسالة، ويقول له ماذا يعمل، لكن حدث أمر غريب سبب قلقلاً كبيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد فتر الوحي وتأخر، وقد اختلف المؤرخون في الفترة التي فتر فيها الوحي، لكن أغلب الظن أنها كانت ما بين ثلاثة أيام إلى أربعين يوماً.
فمثل ذلك الانقطاع صدمة للرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو لم يتيقن بعد، ويريد أن يزيل عنه الشك، فقد كان يتوقع أنه عندما يرجع إلى الغار سيجد جبريل مرة أخرى، أو يأتي له في أي مكان آخر، لكن تأخر جبريل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج مراراً إلى الجبال لعله يلتقي جبريل عليه السلام، وازداد شوق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسالة التي يقول الله عنها: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:5].
إن لم يكن الحامل لهذه الرسالة متشوقاً إليها فحملها سيكون صعباً جداً، بل لعله مستحيل، فارق كبير بين أن تبحث الدعوة عن رجل ليحملها، وبين أن يبحث الرجل عن الدعوة ليحملها! عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغ به الحزن مبلغه يأتيه جبريل عليه السلام فيقول له: يا محمد إنك رسول الله حقاً، فيسكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يختفي وهكذا إلى مجيء اليوم الذي سيبتدئ فيه الرسول صلى الله عليه وسلم رحلة النبوة والتبليغ والتبشير والإنذار.