يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً، ونظرت أمامي فلم أر شيئاً، ونظرت خلفي فلم أر شيئاً، ثم نوديت، فرفعت بصري إلى السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه حتى هويت على الأرض، فرجعت حتى أتيت خديجة فقلت: زملوني زملوني، دثروني دثروني) يعني: غطوني، بعد هذا الحدث مباشرة نزل قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] أي: المتغطي بثيابه: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:2]، هذا أمر واضح بالرسالة والتبليغ والإنذار، حينها علم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رسول، عندها تغيرت حالة الرسول صلى الله عليه وسلم النفسية تماماً، وتحول من حالة الشك والحزن والاكتئاب التي كان يعيش فيها إلى حالة اليقين والعزيمة والإصرار والنشاط.
وكانت السيدة خديجة تطلب منه أحياناً أن يستريح ولو قليلاً، فيقول: (مضى وقت النوم يا خديجة)، الآن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف كل شيء، عرف تفسير كل الأشياء الغريبة التي مرت به في حياته، من سلام الحجر عليه، وشق الصدر، والرؤيا الصادقة، والرجل الذي جاءه في غار حراء، وبدأ الرحلة الطويلة، رحلة الدعوة إلى الله عز وجل، رحلة النبوة، رحلة البشارة والإنذار، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآيات ولم يقعد إلى أن مات، قام وما ترك صغيراً ولا كبيراً، ولا سيداً ولا عبداً، ولا فرداً ولا قبيلة، إلا ودعاهم إلى الإسلام (مضى عهد النوم يا خديجة).