كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)} [الأنفال: 44].

وإذا كان ما رآه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رؤيا منام، شجعت المؤمنين، وثبتت الأقدام وكانت من أسباب النصر كما ظهر، فإن المؤمنين خرقاً للعادات، قد رأوا مصداق ذلك رأى العين، ليكون الخبر والمعاينة واحداً يتحقق به مراد الله من وقوع الأمر المفعول كما وعدهم.

{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا}، إما منصوب بمضمر، أو هو عطف على {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ}، معبراً بالمضارع لحادث قد انتهى استحضاراً لتلك الحالة التى تخص المؤمنين والتى لا تكون بهذه الكيفية إلا من الله تعالى، وهي رؤية بصر أراها المولى سبحانه وتعالى على خلاف ما في نفس الأمر لكلا الفريقين، ولما كانت على خلاف الحقيقة لم يُرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ .... فِي أَعْيُنِكُمْ}، تقييد للإراءة بأنها في الأعين، لا غير، وليس المرئى كذلك في نفس الأمر، وكذلك ليدل على أنها إراءة بصرية لا حُلمية.

وخولف في أسلوب حكاية إراءة المشركين وحكاية إراءة المسلمين؛ لأن المشركين كانوا كُثُر فناسب أن يريهم للمسلمين قليلاً أي هم كثير فرأيتموهم قليلاً، أما المسلمون فكانوا قليلاً فناسب لتقليلهم أن يعبر عنه بأنه «تقليل»، المؤذن بأنه زيادة في قلتهم، وليعلم أن التقليل ليس بالنقص من عدد المسلمين في نفس الأمر، ومن ثم لما حدثت المناجزة، وبرز المشركون لقتال المسلمين ظهر لهم كثرة المسلمين فبهتوا، وكان ذلك ملقياً الرعب في قلوبهم، وذلك ما حكاه القرآن الكريم في سورة آل عمران قوله: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آل عمران: 13].

وقال أهل السير كان المسلمون يحسبون عدد المشركين بين السبعين والمئة، حتى قال ابن مسعود - رضي الله عنه - إلى من بجنبه: أتراهم سبعين؟ فقال: أراهم مئة، وقال أبو جهل: إنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015