أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكلة جزور أي قرابة مئة. (?)
وإنما لم يكن تخيل المسلمين قلة المشركين مثبطاً عزيمتهم، كما كان تخيل المشركين قلة المسلمين مثبطاً عزيمتهم؛ لأن قلوب المسلمين كانت مفعمة حنقاً على المشركين، وإيماناً بفساد شركهم، وامتثالاً لأمر الله بقتالهم فما كان بينهم وبين صَبِّ بَأْسهم على المشركين إلا صرف ما يثبط عزائمهم. فأما المشركون فكانوا مزدهين بعدائهم وعنادهم، وكانوا لا يرون المسلمين على شيء، وإن أدنى جولة تجول بينهم فسوف يقبضون على المسلمين قبضاً، فلذلك لا يعبأون بالتأهب لهم، فكان تخييل ما يزيدهم تهاوناً بالمسلمين يزيد تواكلهم، وإهمال إجماع أمرهم.
فكان ذلك كله مما لا يستطيعه أحد بإلقائه في نفوس الفريقين فجاء قوله تعالى بعد ذلك وهو: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}، ليبين أن ذلك الأمر من مفعولات الله سبحانه، التى قضاها أزلاً علة لهذه الإراءة لكلا الفريقين، لتكون أحد أسباب النصر، وأما قوله تعالى: {لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}، في الآية فهو لعلة أخرى، وهي تلاقى الجمعان في مكان واحد في وقت واحد، فلا تكرار إذن، ويرينا هذا الخبر الضخم كيف قدر سبحانه كل هذه المقدورات ليخرج أي دور فيها للمؤمنين نصراً، وللمشركين هزيمة، بل الأمر كله راجع إليه وحده يقضيه بعلمه وحكمته وقدرته كما قال: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}.
ونشير في نهاية تحليلنا لآيات سيرة بدر مما حكاه القرآن الكريم، إلى ما ذكر القرآن الكريم نفسه عن موقف الشيطان حيث قال جل ذكره: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِن اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)} [الأنفال: 48 - 49].