الشجاعة ومنتهاها. (?)
ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ}، بدلاً من و «لكنه سلم» لقصد تأكيد وزيادة إسناد ذلك إلى الله تعالى، وأنه بعنايته، وكذلك للاهتمام بهذا الحادث، وهو الإنعام بتلك السلامة.
وذيلت الآية بهذا الامتنان {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، أي: إنه بعلمه بمكنونات الصدور وخواطرها، وما تتأثر به وما يصلحها، فعل ما فعل؛ إذ النفوس مجبولة على التأثر بالمحسوبات والمشاهدات، فأيده بها، مع أن الاعتقاد المجرد يكفى في تصديقها بموعود الله، لإيمانها القوى بربها، ولكنه لا يثير الشجاعة التامة والإقدام كما يثيره الإحساس بقلة عددهم وتفاهة موقفهم في الواقع، كذلك فالاعتقاد بأن المشركين سينهزمون مصدقون به، ولكنه يمكن أن يكون مع موت وجراحات قبل الانتصار فجاءت الرؤيا بقلتهم لتزيح ذلك كله في النفس، وتلقى بدلاً منه ذلك اليقين الواقع، بأنهم منصورون مع سلامة الله لهم.
إن ذلك كله ليهزنا بشدة إلى دين الإسلام واقعه وسيرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه دين الله المرتضى بأخلاقه العليا وشمائله الكريمة ومزاياه الراحمة، إذ كل ذلك خارج عن طوع كل الخلق مجتمعين، خارج عن قدرة ما سوى الله تعالى متظاهرين.
ونشير إلى آخر آية في هذا المشهد، مشهد ترتيب لقاء القتال وتدبيره – الذى رتبه الله تعالى للفريقين معاً – دلالة عدم خروج شيء في الكون عن قضائه وتقديره، وعن حكمه وأمره وهي قوله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا