الحياة والإيمان حقيقة ومجازاً كما قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122].

فمن يؤمن بعد ذلك في هذا الفرقان الضخم يؤمن عن بينة واضحة تبرزها المعركة، ومن يكفر بدون ما شبهة قط يكفر عن بينة فيهلك عن بينة – إن المعركة بظروفها التى لابستها وصاحبتها – تحمل بينة لا تجحد وتدل دلالة لا تنكر على تدبير وراء تدبير البشر، وعلى قوى وراءها غير قوة البشر إنها تثبت لهذا الدين رباً يتولى أصحابه متى أخلصوا له وجاهدوا في سبيله وصبروا وثبتوا، وأنه لو كان الأمر إلى القوة المادية الظاهرة ما هزم المشركون ولا انتصرت العصبة المسلمة هذا الانتصار العظيم.

ولقد قال المشركون أنفسهم لحليفهم الذى أراد أن يمدهم بالرجال وهم ذاهبون للقتال: فلعمرى إن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف عنهم، وإن كنا إنما نقاتل الله – كما يزعم محمد – فما لأحد بالله من طاقة. ولقد علموا – لو كان العلم يجدى – أنهم إنما يقاتلون الله كما قال لهم رسول الله الصادق الأمين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه ما لأحد بالله من طاقة .... فإذا هلكوا بعد ذلك بالكفر فإنما يهلكون عن بينة. (?)

وبعد هذا التعقيب على ما سبق يأتى أظهار القرآن الكريم للتدبير الخفى اللطيف: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} [الأنفال: 43].

لقد كان من تدبير الله تعالى أن يرى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رؤيا في منامه يرى فيها الكافرين قليلاً لا قوة لهم ولا وزن فيخبر أصحابه برؤياه فيستبشروا ويتشجعوا على خوض المعركة، ويخبر المولى جل وعلا بعلة ذلك، بأنه علم سبحانه أنه لو أراهم كثيراً لفت ذلك في عضد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015