المسلمين، ولأضعف قلوبهم عن قتال لا استعداد له ولا توقع، ولتنازعوا في اللقاء وعدمه، والنزاع أشأم شيء يصيب جيشاً في مثل هذا الموطن.

والرؤيا - رؤيا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي حق -، فكيف يراهم على مخالفة الواقع وهم كثير، إنهم قليل كما رآهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعلاً إن القوة مهما كانت كثيرة العدد والعدة بغير إيمان فهى قليلة العناء قليلة الوزن في المعركة، قلوبهم خواء من الإدراك الواسع والإيمان الدافع، هذه هي الحقيقة من وراء الظاهر المخادع، وهي التى أدخلت الطمأنينة في قلوب المؤمنين وكان هذا تدبيراً من تدبير الله العليم بذات الصدور كما ختمت به الآية.

وعندما التقى الجمعان جاءت رؤية العيان لتكرر الرؤيا النبوية الصادقة بأن يرى كل من الفريقين الآخر قليلاً ليقضى الله أمره المفعول وينفذ قدره السابق، وجاء التذييل: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}، وهو التعقيب المناسب لتحقيق التدبير ووقوع القضاء، وهو أن الأمور كلها مرجعها إلى الله - سبحانه وتعالى - يصرفها بسلطانه، ويوقعها بإرادته، ولا تند عن قدرته وحكمه، ولا ينفذ في الوجود شيء إلا ما قضاه وجرت به المقادير. ومنها على وجه الأخص ذلك الحكم الذى نحن بصدده، إذ الكلام مسوق إليه سوقاً أولياً.

ونشير سريعاً إلى تحليل تلك الآيات من آيات السيرة القرآنية لغزوة بدر، حيث بدأت بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال: 41].

وهذا انتقال لبيان ما أجمل من حكم الأنفال الذى افتتحته السورة، وافتتاحه بـ {وَاعْلَمُوا}، للاهتمام بشأنه، والتنبيه على رعاية العمل به، فإن المقصود بالعلم تَقَرُرُ الجزم بأن ذلك حكم الله، والعمل بذلك المعلوم، فيكون {وَاعْلَمُوا}، كناية مراداً به صريحه ولازمه، والخطاب لجميع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015