وَيُقَلِّلُكُمْفِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)} [الأنفال: 42 - 44].
إن الآيات تحكى وتنطق بمواقع الفريقين، وفي نفس الوقت شاهدة بالتدبير الخفى من ورائها إن يد الله تكاد ترى وهي توقف هؤلاء هنا وهؤلاء هناك والقافلة من بعيد أسفل منهم بمحازاة الساحل.
ثم تبين الآيات الرؤيا التى رآها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إغفائه تقللهم في عينه تسليماً من الله للمؤمنين من الفشل والتنازع لو رآهم كثيراً إلى آخر المدلولات والاشارات والمنطوقات في هذه الآيات القليلة الموحية بأعظم المعانى التى سنشير إلى بعضها في طوايا الكلام إن شاء الله تعالى.
لقد نزل المؤمنون بضفة الوادى القريبة من المدينة، ونزل جيش المشركين بقيادة أبى جهل بالضفة البعيدة من المدينة، وبين الفريقين ربوة تفصلهما، وأما القافلة فقد فر بها أبوسفيان إلى محاذاة الساحل فكانت تحت المؤمنين من جهة البحر، ولم يكن كل من الجيشين يعلم بموقع صاحبه، وإنما جمعهما الله هكذا على جانبى الربوة لأمر يريده، حتى لو أن بينهما موعداً على اللقاء ما اجتمعا بمثل هذه الدقة والضبط من ناحية المكان والموعد، هذا يذكر به المولى سبحانه المؤمنين الآن ليذكرهم بتدبيره وتقديره وإحاطته بكل شيء.
إن وراء هذا التلاقى بهذا العرض لأمراً مقضياً يريد رب العباد تحقيقه بكم أيها المؤمنون في عالم الواقع ويدبر له هذه التدبير الخفى اللطيف، ويهيء له جميع الظروف التى تيسر لكم القيام به إنه قوله وحكمه العدل: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}. (?)
إن الهلاك هنا قد يعبر به حقيقة عن القتل، مجازاً عن الكفر، وكذا الحياة يعبر بها عن