ومنها: ما هو مكتسب، يكتسبه الإنسان بالتكلف، ورياضة النفس ومجاهدتها، وقد ورد في هذا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتَّحَلَم، ومن يتحرَّ الخير يُعطَه، ومن يتوقَّ الشر يوقه) (?).
وهذا يوضح أن من الأخلاق ما يكتسب بالتدرب عليها، وممارستها مع المجاهدة على مدافعة ضدها عند ورود أسبابها، فالحلم يحاول المرء أن يتخلق به، ويظهر مدى التزامه بهذا الخلق عند ورود سبب الضد من معاملات وأقوال وتصرفات تخرج الإنسان عما يحاول أن يكون عليه من الحلم، فيضبط حينئذ جهله، ويكظم غيظه، ويجاهد نفسه على الثبات فيما عرض له من امتحان حلمه، وهكذا بقية الأخلاق، وهذا باب طويل في رياضة النفس، ترى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاول شيئاً من ذلك؟ الواقع يأبى إلا أن يقول لا، لقد كانت تلك الأخلاق سجية فيه، لقد تعرض لامتحانات الأخلاق كافة، فما سمعنا له هنة فيها عَيَّرَه بها قومه، وامتنعوا من وصفه بسببها بأنه صاحب الخلق القويم، أو تذرعوا بها لئلا يدخلوا الإسلام.
ومع ذلك من حسن تواضعه، وهضمه لنفسه، التي لا ينطق بها إلا العظماء وجدناه يدعو ربَّه - سبحانه وتعالى - بأن يرزقه ويهبه، ويعينه، ويوفقه لأحسن الأخلاق، وقد ذكر ذلك ليكون تعليماً للمؤمنين، وتنبيهاً لهم على الثبات على أحسن الأخلاق بدوام الدعاء لله تعالى أن يهديهم إليها، ويوفقهم لها، فيقول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها