المؤمنين عن حد المسامحة، والإعراض عن الجاهلين، أو العفو عمن ظلمهم، مما يدل على أن قلوبهم قد ملئت غيظاً من هؤلاء المجرمين لدرجة انتظار الانتقام منهم، بدلاً من الصفح، وتمني الهداية لهم، وهي روح الإسلام العظيم.
أخلاق جبلى وكسبي:
وإذا كان قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4] كانت في أول ما نزل من القرآن الكريم جاء هذا السؤال، وهو: هل الأخلاق جِبِلِّيِّة أو كَسبِيِّة؟ خاصة وأننا ادّعينا في أول الكلام أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما نزل عليه الوحي إلا وهو في عظيم الأخلاق وأعلاها، وهو ما يؤيده الواقع كما ذكرنا.
والإجابة العامة: هي أن الأخلاق منها ما يكون جِبِلِّياً قد طبع عليه المرء، ومنها ما يكون كَسبِياً يقع له بالتخلق والتكلف، حتى يصير له سجية وملكة، وله أمثلة عدة، وأقوال كثيرة وردت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها ما قاله - عليه الصلاة والسلام - لأشج عبد القيس - رضي الله عنه -: (إنَّ فيك لخُلُقين يحبهما الله: الحلم، والأناة. فقال: أخُلُقين تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما؟ فقال: بل جبلك الله عليهما. فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله) (?).
وهذا يدل على أن الأخلاق منها: ما يطبع المرء عليه، وقد رأينا الواقع مليء بتلك الصور، وقد رأينا الشجاع الثابت بطبعه، والكريم، والحليم، وغيرهما، والعكس كذلك كأصحاب الأخلاق المذمومة كالبخل، والجبن، وغيرهما.