طرف آخر، وهو من الأحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السير والمغازي" (?)، وقد ذكر الإمام ابن عبد البر شهرته كذلك (?).
وهذا مما احتج به (محمد بن رزق بن طرهوني) (?)، مع ما اختطه لنفسه بالاجتهاد في تصحيح وتضعيف روايات السيرة، وبه يتأيد قول من ذهب إلى صحة إرهاصات مولده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التي تُنبأ عما سيكون لهذا المولود العظيم من شأن يمت إلى أسباب السماء بأعظم صلة، ممن ردوا على المستشرقين ومن تبعهم من المسلمين، وبذا يكون لهؤلاء المؤيدين لهذه الإرهاصات سلف من الحفَّاظ والمحققين يدعم موقفهم، ويقوي استدلالهم، ومنهم من هو من المراجع والمصادر للسيرة كتابة ونقدًا.
ثم نورد هنا سؤالاً هو: ما المفسدة في إثبات هذه الوقائع التاريخية على المنهج العلمي المزعوم من المستشرقين؟ خاصة وهي ثابتة، مما يؤكد عدم التزامهم ما وضعوا من منهج بالذات فيما يتعلق بسيرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والإسلام، لا من قريب ولا من بعيد من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يوجد ما يعتمد عليه هؤلاء المستشرقون سواها، إذ ليس لهم مصادر عاشرت الأحداث، وعايشتها، ولا لهم كُتَّاب كتبوا في السيرة في إبانها حتى يحمل قولهم محمل العلم والجد، بل كل ما هنالك أن ناسًا جاءوا بعد أربعة عشر قرنًا من الزمان، وبكل وقاحة قالوا هذا حدث وهذا لم يحدث، وهذا لا يمكن أن يحدث تاريخيًا (?)، وإن صح، قالوا: وهذا إن صحت الرواية فله معنى آخر، لدوافع ونوازع اخترعوها ملفقة لا علاقة لها بالبحث العلمي، ولا تمت إلى الواقع بأدنى صلة، بل تخالفه وتصادمه، ثم قالوا هذا هو المنهج التاريخي.