وثمة أمر آخر وهو أنَّ الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاء ليدعو الناس جميعًا إلى التزام أحاسن الأخلاق، والاتصاف بها، كما قال: (إِنَّمَا بُعِتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأخلاق). (?)
وبالتالي لابد أن يكون أعلى الناس جميعًا خُلُقاً، لأنَّ فاقد الشيء لا يعطيه، وإن كان مثلهم فلأي شيءٍ يدعوهم؟ ولذا وجدناه من أول بعثته أعظم الناس خُلُقًا، فلما وصفه ربُّه بذلك من حين ابتعثه، كان ذلك متسقًا تمام الاتساق مع دعوة الله تعالى الناس إلى توحيده ومعرفته، وعبادته، وإلى كل جميل من الأقوال، والأفعال في الظاهر والباطن.
وللأستاذ سيد قطب في كتابه "في ظلال القرآن" (?) كلام جميل نذكره ملخصًا، يقول: ثم تجيء الشهادة الكبرى والتكريم العظيم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}.
وتتجاوب أرجاء الوجود بهذا الثناء الفريد على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويثبت هذا الثناء العلوي في صميم الوجود، ويعجز كل قلم، ويعجز كل تصور عن وصف قيمة هذه الكلمة العظيمة من ربِّ الوجود، وهي شهادة من الله، وفي ميزان الله، لعبد الله، يقول له فيها: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}، ومدلول الخلق العظيم هو ما عند الله مما لا يبلغ مداه أحد من العالمين.
ودلالة هذه الكلمة العظيمة على عظمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبرز من نواحٍ شتى:
تبرز من كونها كلمة من الله الكبير المتعالي، يسجلها ضمير الكون، وتثبت في كيانه، وتتردد في الملأ الأعلى إلى ما شاء الله.