والعجيب أنَّه لم يمار أحد ممن عادوه وقاتلوه في هذه الأخلاق، وكانوا يناشدونه بتلك الأخلاق العالية أن يعفو عنهم، وقد لقَّبوه بالصادق الأمين (?).
وما كانت هذه الأخلاق، وهذه العناية لتوحد إلا لأننا في معرض أخطر أمر، وهو أمر النبوة والرسالة، إذ ما كان لأحدٍ أن يردَّها أو يدفعها، أو يشكك فيه فيقضي على الرسالة في مهدها بتكذيب الله أن يكون ذلك رسوله.
وأمر آخر، وهو أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو القدوة لهؤلاء المدعوين إلى الله تعالى، وكذلك الدعاة إليه، فكيف يكون فيه ما يشينه ويردّ دعوته بإظهار النقص والعيب فيها، إن ذلك قدح في المرسل سبحانه - وهذا ما يستحيل صدوره.
وقد رأينا التحدي في دعوته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى آخر لحظة من حياته الشريفة والعجز عن مواجهته، فكيف يكون في أول دعوته ما يبطلها؟
وقد بُدئ وصفه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بداية البعثة بهذا الوصف بالذات؛ لأنه الدليل إلى ما بعده من الأوصاف، وهو البرهان الساطع على صدق ما سيلقيه عليهم بعد ذلك من توحيد، وعبادات ومعاملات وغيره، وعلى أن ذلك حق لا مرية فيه، صحيح لا شية فيه؛ لأن الناقل له، المبلغ به هو صاحب الخلق العظيم في هذه الحياة الدنيا، فكيف يقول كذباً، أو يتقول على الله تعالى ما لم يقله؟ وذلك يدل على صحة كل ما صدر عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويؤيده قوله فيما نزل بعد ذلك في سورة النجم: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] كما سنبينه في حينه إن شاء الله تعالى.