وللعالمين على صحة رسالته، وصدق نبوته، إذ أثبت قبل ذلك بالتحدي الذي لم يرد لم يبق إلا العمل والتمسك به، والدعوة إليه.
ثانيًا: إن المشركين طلبوا تغيير هذا القرآن، أو تبديله، وكان من اليسير عليه لو كان ذلك بيديه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يفعل ذلك بدلاً من هذا العناء والشقاء، ولكنه رد عليهم ردًا واضحًا لا لبس فيه، وواجههم مواجهة لا مواربة فيها، حاسمة قاطعة لا رجوع عنها، بل لا انثناء لها بأمور هي أركان دعوته وأساسها، وأنه لا يمكن له تحت أي سبب أو ضغط أن يحيد عنها، ولا قيد أنملة، هذه الأمور هي:
الأول: قوله: {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} ليستنبطوا ما يريد أن يؤكده لهم وهو، أن هذا القرآن ليس من عنده، إذ اقتراحهم أن يغيره أو يبدله له معنى صريح هو، الإتيان بقرآن آخر، ومعنى كنائي التزامي وهو، أنه غير منزل من عند الله - عز وجل -، فكان تلقين الله إياه يحمل الردين معًا، ويثبت في ذات الوقت، وكل وقت أن ذلك لم يحدث، ويتلى إلى أن تقوم الساعة أنه ليس من تلقاء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويبين هذا الكلام معنى دقيقًا أنه لم يكن له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبدل ولا حرف واحد من هذا القرآن، أو يغيره، أو يحذفه، أحب أو كره، تحت أي ظرف من الظروف، أو حدث من الأحداث، مما يبين على صحة القرآن جملة وتفصيلاً، وأنه منزل من عند الله كما بلغه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الثاني: من أمور رد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الآية قوله: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَى} فهو مبلغ عن الله تعالى ما يوحِي إليه به، شاءوا أم أبوا، آمنوا أو كفروا، لن يغير ذلك من موقفه شيئًا، وهو منتظر في ذلك حكم الله بينه وبين العالمين، وهو ما يدل على عصمته في تبليغ كلام الله، أوامره ونواهيه، توحيده وعبادته، سلمه وحربه، حياته ومماته، لا يستطيع، وما كان له أن يقول حرفًا واحدًا من عنده لأنه يدخل في التبديل، وذلك أبلغ ما يكون في إظهار عصمته،