الثاني: يختص به، وهو أن يعبده كذلك ليكون أولَ المسلمين.
فأمره يبلغ الغاية القصوى في عبادة الله مخلصًا له الدين، والتي لم يبق معها فكر في معصية أو مخالفة فضلاً عن الهم والوقوع، فجعل وجوده متمحضًا للإخلاص على أي حال كان كما في الآية التي أشرنا إليها: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162 - 163] (?) وتبقى معنا الآية الثالثة وهي: آية سورة يونس، لننظر فيها إذ هي تغطي زاوية أخرى في سياق العصمة، لتكتمل بذلك جوانب الموضوع من حفظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو الجانب المتعلق بالقرآن الكريم، وتبليغه كما هو، وأنه ليس له أن يقدم فيه أو يؤخر، فضلاً عن أن يزيد أو ينقص، أو يبدل، أو يغير، وما كان له ذلك، وهذا الموضع هو قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَى إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)} [يونس: 15].
ونلاحظ في الآية ما يلي:
أولاً: أن سورة يونس في ترتيب النزول قبل سورتي الأنعام والزمر (?) وذلك موافق للسياق العام لدعوة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبعد تقرير أن القرآن الكريم من عند الله، تأتي الأوامر بالتوحيد، والعبادة وغيرها، وساعتها يؤمر النبي بقوله: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ}، {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ}، وغير ذلك من الآيات التي تنبني في محاجتها للمشركين، بل