في المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك في الدنيا الرجال الذين رباهم على عينه، وقد ودعهم الوداع الأخير عندما أطل عليهم من حجرته صفوفاً منتظمةً خلف الصديق - رضي الله عنه - فابتسم ابتسامة الرضا والطمأنينة والثقة على مصير العقيدة في أيدي الصحابة الثقات.

وتتالت الأحداث الخطيرة بعد وفاته وعجم التاريخ عود الصحابة واختبر صلابة قناتهم التي لا تلين .. ارتد الأعراب خارج المدينة ومكة والطائف وامتنعوا عن أداء الزكاة، ونصح بعض الصحابة أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - أن يدعهم يصلون ولا يؤدون الزكاة فقال: "والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حقُّ المال، والله لو ضعوني عَناقًا كان يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها" (?). فقاتل الأعراب حتى رجعوا إلى الإسلام، وأعاد توحيد الدولة، ونظم حملات الجهاد لفتح العراق والشام.

وتوفي أبو بكر -رضي الله عنه - وبايع الناس عمر بن الخطاب، فحرص الناس على الجهاد، وأتم فتح العراق وإيران والشام ومصر، وأعاد تنظيم الجيش ورتب ديوان الجند وفرض الخراج على الأراضي المفتوحة عنوة، وعزز استقلال القضاة عن الولاة، وحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: "لم أر عبقرياً يفري فريه" (?).

وعزَّز مبدأ الشورى وطبقه في حياته وعند وفاته، وبذلك أكَّد على دور الأمة ممثلة في أهل الحل والعقد، وصارت سيرته رمزاً للعدل المطلق على مدى التاريخ، ومات غيلة على يد أبي لؤلؤة المجوسي.

وهكذا كان دور عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب في إقامة صرح الإسلام، وتوسيع رقعة دولته، ودعاء الناس إلى إعتناقه، وإقامة الشرع الحنيف وأحكامه بين أتباعه، وإعلاء راية الجهاد، ونشر العلم، وإشاعة الفقه وتولي الفتيا، وإطفاء الفتن، حتى ماتا شهيدين - كما بشَّرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم -.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015