منازلهم عكاظ ومجنة وفي المواسم يقول: "من يؤويني، من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟ "فلا يجيبه أحد يؤويه ولا ينصره، حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر، فيأتيه قومه وذوو رحمه فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك. حتى بعث الله إليه الأنصار فآووه وصدقوه ونصروه (?).
وأنفق الأنصار النفقة العظيمة، وواسوا المهاجرين بأموالهم، وآثروهم على أنفسهم حتى قال المهاجرون: يا رسول الله ما رأينا مثل القوم قدمنا عليهم أحسن مواساةً في قليل، ولا أحسن بذلا من كثير، لقد كفونا المؤونة واشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله. فقال صلى الله عليه وسلم: لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم" (?).
وقد استحق الأنصار وصف رجال العقيدة المخلصين كما قال لهم صلى الله عليه وسلم: "إنكم ما علمت تكثرون عند الفزع وتقلّون عند الطمع". وتخليداً لمروءتهم وعفتهم وشهامتهم قال صلى الله عليه وسلم: "ما يضر امرأة نزلت بين بيتين من الأنصار، أو نزلت بين أبويها" (?).
وهكذا كان جيل الصحابة رضوان الله عليهم يقدم التضحيات الجسيمة في سبيل نصرة دين الله، فمكَّن الله لهم في الأرض كما وعدهم - ووعدُهُ الحقُّ - بقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (?).
وقد دلَّل التاريخ على نجاح التربية المحمدية للصحابة رضوان الله عليهم، فبرز منهم عظماء الإسلام من الخلفاء والولاة والقضاة والقادة والعلماء والمربين، وتمكنوا من إرساء قواعد العقيدة ومنهاج الشريعة وأصول التربية وقيم الأخلاق