ونجد الخليفة عمر بن الخطاب يختص أهل السابقة من البدريين بأعلى العطاء، وكان يدرك أن ترسيخ جذور هذه الفئة وتقويتها بالدعم المادي والأدبي يمكنها من القيام بدورها خير قيام، ويجعلها تتخلص من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وبذلك تعين على ترسيخ القيم الإسلامية والحفاظ عليها، وتمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون أن تعيقها الحاجة، أو تستذلها المادة، أو تخيفها من قولة الحق.
إنَّ لكل مجتمع رموزاً وقادة يمثلون قيمه، ويوجهون الأمة نحوها، ورموز المجتمع الإسلامي الأول هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضلهم أهل السابقة، فقد محَّصتهم الفتن، وامتُحِنوا بالنفس والنفيس، فاسترخَصوا كل شيء من أجل رفع راية العقيدة الإسلامية.
هذا صهيب - رضي الله عنه - أقبل مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فتبعه نفر من قريش مشركون، فنزل فانتشل كنانته فقال: قد علمتم يا معشر قريش أني أرماكم رجلا بسهم، وأيم الله لا تصلون إليَّ حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي، ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم شأنكم بعد ذلك، وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وتخلوا سبيلي، قالوا: نعم. فتعاهدوا على ذلك فدلَّهم، فأنزل الله على رسوله القرآن {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} (?). حتى فرغ من الآية. فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم صهيبا قال: ربح البيع يا أبا يحيى! ربح البيع يا أبا يحيى! وتلا عليه الآية (?).
وأمثال صهيب كثير عافوا الأرض والأهل والمال، وهاجروا بأنفسهم إلى الله ورسوله، فكانوا مادة الإسلام ورجاله الأولين. وكانت الهجرة نصرةً لدين الله ودفعاً لفتنة الإِقامة بين ظهراني المشركين، كذلك كانت بيعة الأنصار في العقبة الثانية على النصرة، فقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في