التشريع يرجعون إلى الكتاب والسنة واجتهادات الأئمة، وما كان في هذا من بأس لأن الرجوع إلى مجتهدات الأئمة ما كان إلا للاهتداء إلى فهم نصوص الكتاب والسنة والاستعانة على الاستنباط لا لأنها أصل في الدين وقانون أساسي. وهذه هو الغرض الذي قصد إليه المجتهدون، فهم إنما أرادوا أن يضيئوا السبيل لمن يريد الاستنباط من أهله وأن لا يدعوا السبيل ليتهجم على الكتاب والسنة من ليس أهلًا للاستنباط، وبعبارة أخرى أرادوا أن يسنوا طريق التشريع لرجال التشريع الذين يأتون بعدهم ويمكنوا من ليس له وسائل الاجتهاد من تعرف الأحكام. وما خطر لإمام منهم -رضي الله عنهم- أن تلتزم الأمة آراءهم ولا أن يكون تدوين مجتهداتهم حائلًا بين أولي العلم وبين الرجوع إلى نصوص القانون الأساسي ليفهموا كما فهموا ويستنبطوا كما استنبطوا ولكن من جاء بعدهم أساء فهم غرضهم وحمل المسلمين على اتباع آرائهم وحرم الاجتهاد بالرجوع إلى أصل القانون الأساسي فكان من ذلك الحرج قصور التشريع الإسلامي عن مسايرة الزمن وتحقيق مصالح الناس والتجاء بعض الحكومات الإسلامية إلى العمل بقوانين أمم إسلامية. والحق أن السلطة التشريعة في الإسلام لو أنها مع اعتمادها على القانون الأساسي الإلهي وضع لها نظام لانتخاب رجالها من بين من تتوفر فيهم شرائط الاجتهاد وحدد عددهم واختصاصهم والتزمت الدولة بآرائهم قضاء وتنفيذًا لكانت كأفضل سلطة تشريعية في حكومة دستوية ولكفلت حاجات المسلمين في مختلف العصور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015