ولكن ترك أمر التشريع فوضى فادعى الاجتهاد من ليس أهلًا له وتعذر تعيين من له السلطة التشريعية واستحال اجتماعهم وتبادلهم الآراء، وكان من هذا تشعب الآراء واختلاف الأحكام اختلافًا لم يتيسر للحكومات الإسلامات معه أن ترجع إلى آرائهم أو تلتزمها. ولما وجد العلماء أن هذه الفوضى التشريعية لا تقف عند حد اضطروا إلى تدبير علاج لها، وكانت الحكمة في أن يعالجوها بوضع نظام لرجال السلطة التشريعية يحول بين التشريع وبين هذه الفوضى، ولكنهم عالجوها بسد باب الاجتهاد ووقف حركة التشريع فوقعوا في شر مما اتقوه ونبا التشريع الإسلامي عن مصالح الناس وحاجاتهم لأن المصالح في تغير والحاجات في تجدد والتشريع الإسلامي واقف عندما وصل إليه الأئمة في القرن الثاني الذين راعوا في استنباطهم حال عصرهم ومصالح الناس في زمنهم وبلادهم.

ومن هذا يتبين أن فتح باب الاجتهاد الفرد شر على التشريع الإسلامي لأنه يمهد السبيل للأدعياء ويكثر الخلف ويشعب الآراء.

وشر منه سد باب الاجتهاد لأنه يوقف حركة التشريع ويجعل القانون الإسلامي قاصرًا عن مصالح الناس والخير كله هو اجتهاد الجماعة وتشريعهم، وهذا هو سبيل الصحابة ومن تبعهم بإحسان فقد كان أبو بكر إذا أعياه أن يجد في الأمر نصًا في كتاب الله أو سنة رسوله جمع رءوس الناس وخيارهم فاستشارهم فإن أجمع رأيهم على أمر قضى به. وكذلك كان يفعل عمر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015