حرية الرأي 1:
الإسلام في شأن هذا الحق نظر إلى موضوع الرأي: إما أن يكون أمرًا دينيًا، أو غير ديني.
فإن كان الأمر غير ديني، فلكل فرد أن يبدي رأيه فيه حسبما يراه، ويعرب عنه بالوسيلة الميسورة له، وقد حدث في صدر الإسلام وبعده عدة حوادث تدل على حرية الرأي وإقراره في هذه المواضع: من ذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشار على المسلمين في بعض الغزوات أن ينزلوا موضعًا معينًا، فسأله أحد الصحابة: أهذا منزل أنزلكه الله؟ أو هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة".. قال الصحابي للرسول: ليس هذا بمنزل ... وأشار بإنزال المسلمين منزلا آخر، وتحولوا. واختلاف أبي بكر وعمر في حكم الأسرى على مسمع من الرسول خبره مستفيض. وكذلك اختلاف كبار الصحابة في شأن الخلافة وكثير من الشئون.
وأما في الأمور الدينية فلكل واحد أن يجتهد فيها، ويرى الرأي الذي يوصله إليه اجتهاده، ما دام اجتهاده في غير موضع النص، ورأيه في حدود أصول الدين الكلية ونصوصه الصحيحة: وذلك أن الإسلام جعل القياس أحد أصوله، ومصدرًا من مصادر التشريع فيه، والقياس هو إلحاق الأشباه بالأشباه، والنظائر بالنظائر، لاستنباط الأحكام التي لم ينص عليها، ... وفي هذا الإلحاق والاستنباط مجال فسيح للرأي،