فإذا كان أساس الاعتقاد في الإسلام النظر العقلي والبحث والتفكير في آيات الله ولا محاكاة، ولا تقليد، ولا إلجاء، ولا إكراه، فليس أضمن لحرية الاعتقاد من هذا. ويؤيده ما جاء في الكتاب الكريم من أنه لا سلطان للداعي غير سلطان التذكير والموعظة الحسنة، قال تعالى لرسوله: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} 1.
هذا ما يؤيد حرية الاعتقاد في الإسلام وأما ما يقرره حماية إقامة الشعائر، فإن الإسلام جعل لغير المسلمين الحرية التامة في أن يقيموا شعائر دينهم في كنائسهم ومعابدهم وجعل لهم أن يتبعوا أحكام دينهم في معاملاتهم وأحوالهم الشخصية. والأصل في هذا قوله -صلى الله عليه وسلم- في شأن الذميين: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" وجميع العهود التي كانت تعطى للمعاهدين كان يقرون فيها بالتأمين على الأنفس والأموال التأمين على العقائد وإقامة الشعائر، وفي عهد عمر لأهل إيليا ما نصه "أعطاهم الأمان لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسائر ملتهم، لا تسكن كنائسهم ولا ينقص منها ولا من خيرها ولا من صلبهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم". فالإسلام في تكوين العقيدة أطلق للعقل عنان النظر، وفسح له في مجال البحث والتفكير في الآيات والدلائل وفي حماية عقائد المسلمين أحاطها بما يكفلها ويحفظها وترك أرباب كل دين وما يدينون به.