ومتسع عظيم النظر، وفي جعله مصدرًا تشريعيًا اعتبار للرأي وتقرير لحقه.

وكذلك جاء في السنة، أن كل مجتهد مأجور: إن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران. فالمثوبة على الاجتهاد -سواء أدى إلى خطأ أو صواب- دليل على تقدير الإسلام للرأي، وإقراره هذا الحق.

ويؤيد هذا ما ورد في كثير من النصوص من ذم التقليد والنعي على المقلدين الذين يهملون عقولهم ولا يحررونها من أسر التقليد، وما جاء على ألسنة كثير من المجتهدين من التصريح بأنهم ما اجتهدوا ليقلدوا وإن آرائهم لأنفسهم وخطأهم عليها.

فليس في أصول الإسلام ونصوصه ما ينافي حرية الرأي بالمعنى الذي بيناه، بل فيها ما يؤيده ويقرره. وأما ما ورد عن ابن عباس من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار"، وما ورد عن أبي بكر من قوله: "أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن قلت في كتاب الله برأيي؟ " ... فهو محمول على الرأي الذي يستند إلى مجرد الهوى ولا يعتمد على مصلحة عامة ولا أصل ديني كلي.

وأما ما حدث في الإسلام من سد باب الاجتهاد وإيجاب التقليد لأئمة معينين، فإن هذا ليس مقتضى أصول الدين أو نصوصه وإنما هو علاج لجأ إليه المتأخرون سدًا لباب الفوضى، فهو من قبيل ارتكاب أخف الضررين وأهون الشرين، ولو وفق المسلمون إلى علاج تلك الفوضى ما كان في الإسلام مانع من الاجتهاد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015