وكذلك تضافرت الأدلة على أن الرياسة في الحكومة الإسلامية ليست حقًا لقريش ولا لغير قريش لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة الصحيحة ما يدل على أن أمر المسلمين بعد رسول الله يكون في أسرة خاصة ولأفراد معينيين ومقتضى ترك هذا التعيين أن يكون أمر الرياسة العليا موكلًا إلى الأمة تختار له من تشاء. ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يستخلف على الناس أحدًا ولو كان الأمر وراثيًا لعهد به إلى صاحبه.
والمسلمون لما اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة على أثر وفاة الرسول واختلفوا فيمن يلي الأمر بعده كانت حجج الفريقين المختلفين ناطقة بأنهم لا يعرفون الأمر حقًا لمعين حتى إن بعض الأنصار دعا إلى بيعة سعد بن عبادة، وبعضهم قال للمهاجرين: منا أمير ومنكم أمير وأبو بكر لما حجهم بأن الأئمة من قريش لم يحجهم به على أنه نص من الدين ولكن على أنه نظر صحيح لما لقريش إذ ذاك من العصبية والمنعة. وقد بين أبو بكر نفسه وجهة هذا النظر إذ قال: "إن هذا الأمر إن تولته الأوس نفسته عليهم الخزرج وإن تولته الخزرج نفسته عليهم الأوس ولا تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش" ولو كان نصًا من الدين ما خفي على جميع من كان في السقيفة من الأنصار والمهاجرين ما عدا أبا بكر وما احتاج أبو بكر إلى حديث المنافسة بين الأوس والخزرج وما ساغ لعمر أن يقول وهو يفكر زمن خلافته فيمن يستخلفه: "لو كان سالم مولى حذيفة حيًا لوليته" إذ كيف يولي مولى بعدما سمع في السقيفة أن الأئمة من قريش. ويؤيد هذا النصوص الواردة بالاعتماد على الأعمال لا على الأنساب وبالتبرؤ من عصبيته الجاهلية وبأن أكرم الناس عند الله أتقاهم.