أقول: سيدنا عمر بن الخطاب -كما كان دائما- عندما يعرض له أمر من هذه الأمور الخطيرة والأمور الكبيرة, كان لا يستأثر بالرأي, وإنما كان يستشير, وكيف لا وهو الذي قرأ قول الله -تبارك وتعالى-: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران: من الآية: 159) وقوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم} (الشورى: من الآية: 38)؟ كان سيدنا عمر من أكثر الناس تطبيقًا لآيات القرآن الكريم, ولذلك كانت عادته في أي أمر من الأمور التي تعرض له أن يعرض هذا الأمر على المسلمين يشاروهم فيه, ويأخذ الرأي الذي يتفقون عليه.
رأى الخليفة عمر أن يستشير الصحابة وعلماءهم في هذا الموضوع الجديد الخطير؛ إذ لم يسبق للمسلمين الاستيلاء على مثل تلك الأراضي الشاسعة, الحافلة بالخصب العامر, بالسكان والمدن والثروات, ووقع الخلاف بين عمر وبين مستشاريه من الصحابة من المهاجرين؛ إذ كانت وجهة نظر الخليفة عمر -رضوان الله تبارك وتعالى عليه- أن تقسيم الأرض بين الجند, يحرم الدولة من مصدر هام من المصادر المطلوبة للإنفاق على المرافق العامة, وحماية البلاد وغيرها من متطلبات التطور الاجتماعي والاقتصادي.
وخالف هذا الرأي نفر من كبار المهاجرين, يعني: بعض المهاجرين خالفوا سيدنا عمر في هذا الرأي, على رأس هؤلاء الذين عارضوا سيدنا عمر في هذا الرأي عبد الرحمن بن عوف, الذي شدد القول على الخليفة عمر, قائلًا: إن عدم تقسيم الأرض يحرم الفاتحين حقًّا من حقوقهم الأساسية, ويقصد بذلك عبد الرحمن بن عوف بهذه الحقوق الأساسية, الحقوق التي قررتها لهم آية الغنيمة {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين} (الأنفال: من الآية: 41) إلى آخر ما جاء في الآية, فالآية تقرر أن الغنيمة أربعة أخماسها إنما يكون للغانمين؛ ولذلك سيدنا عمر عبد الرحمن بن عوف يبين للخليفة عمر أن تقسيم الأرض بين الغانمين, إنما هو حق من