وقد كان لكل ولاية من الولايات الإسلامية في بادئ الأمر قاضٍ واحد لجميع التخصصات القضائية، ولكن باتساع الدولة العباسية أصبح لكلٍّ من هذه الولايات قضاة يمثلون المذاهب الأربعة، وينظر كل منهم فيما يقوم من النزاع بين من يدنون بعقائد مذهبه، وكان مكان القاضي في بادئ الأمر في المسجد، ثم وجد المسلمون أن هذا لا يتفق وحرمة بيوت الله؛ فمنع الخليفة المعتضد القضاة من الجلوس في المسجد، وفي بعض الأحيان كان القاضي يقضي بين الناس في داره، وكان لقاضي قضاة بغداد ديوان يُعرف بديوان قاضي القضاة، ومن أشهر موظفي هذا الديوان الكاتب، والحاجب، وعارض الأحكام، وخازن ديوان الحكم، وأعوانه، كما اقتضى تطور نظام القضاة في هذا العصر التحري عن الشهود، فإن كان الشاهد معروفًا بالسلامة ولم يُعرف عنه ما يجرحه قبل القاضي شهادته، وإن كان غير معروفٍ بها لم تُقبل شهادته، وإن كان مجهولًا سئل عنه جيرانه، ومن ثم وجدت جماعة من الشهود عرفوا بالشهود الدائمين، أو المعدلين، أو المزكين.

سابعًا: ونتكلم الآن عن السلطة القضائية ونظام القضاء في الأندلس فنقول:

كان للقضاء في الأندلس مركز ممتاز كما كان في غيرها من البلاد الإسلامية، وكان الأمير أو الخليفة هو الرئيس الأعلى للقضاء لتعلق الوظيفة بالدين، وقد كان قاضي القضاة في الأندلس يسمى قاضي الجماعة؛ لأنه يكون في حاضرة الدولة، وكان يُشترط في تعيين القاضي أن يكون متعمقًا في الفقه مشهودًا له بالنزاهة والاستقامة، ولا يُشترط فيه أن يكون عربيًا خالصًا، وطالما تقلد هذا المنصب الموالي والبربر كما هو الحال بالنسبة ليحيي بن يحيي الليثي الذي كان من أصل بربري، وكان قاضي القضاة غالبًا ما يُختار من بين قضاة الأقاليم المشهود لهم بالتفوق في القضاء، أو ممن تولوا بعض مناصب الدولة الهامة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015