وكان قاضي الجماعة يقيم بقرطبة حاضرة الدولة الأموية في الأندلس، ويعين من قِبل الأمير أو الخليفة، وينوب عنه في الأقاليم قضاة، ويحكمون طبقًا لمذهب الإمام مالك، وبما يتفق مع القرآن والسُّنة، وكان الحكام والولاة يقومون بتنفيذ أحكامهم القضائية، وقد صار الأمويون في الأندلس على نهي خلفاء الأمويين والعباسيين في الشرق في تولية قضاتهم قيادة الجيوش نيابة عنهم، وكان من ضمن اختصاصات القاضي الإشراف على موارد الأحباس وسجلات الفتوى الفقهية، والإشراف على الصلاة في أيام الجمعة، والأعياد بالمسجد الكبير بقرطبة، أو بمسجد الزهراء الذي أسسه الخليفة عبد الرحمن الناصر بمدينة الزهراء، كما كان من اختصاصه صلاة الاستقاء؛ ولذلك فكثيرًا ما كان القاضي يسمى صاحب الصلاة، وقد ظل الأمر هكذا حتى أفرض عبد الرحمن الناصر شخصًا للصلاة، وشخصًا آخر للقضاء، وكان قضاة الأندلس يعرفون الأسبانية القديمة، ويناقشون المتقاضين بها في مجالس الحكم والقضاء.
وبهذا نكون قد انتهينا من إلقاء الضوء على التاريخ القضائي منذ بدايات الدعوة الإسلامية إلى قضاة في الأندلس.
ننتقل الآن إلى موضوع آخر وهو: أركان القضاء فنقول:
يعتمد القضاء على أركان خمسة هي في مجملها ما يأتي:
الأول: الحاكم -أول ركن هو الحاكم- وهو القاضي الذي عينته السلطة أو الحكومة للفصل في الدعوى والخصومات، وبهذا يختلف الحاكم عن المحكم، وهو الذي يتفق عليه الخصمان للتحكيم في النزاع الدائر بينهم.
الركن الثاني: الحكم، وهو ما يصدر عن القاضي من قرارٍ لحسم النزاع وإنهاء الخصومة، وله صفة الإلزام، فيختلف الحكم عن الفتوى، فإنها غير ملزمة