وذكر الماوردي في (الأحكام السلطانية) قوله: ولو مات الإمام لم تنعزل قضاته، وإذا كان تقليد الأمر من قبل الخليفة لم ينعزل بموت الخليفة، وإن كان من قبل الوزير انعزل بموت الوزير؛ لأن تقليد الخليفة نيابة عن المسلمين وتقليد الوزير نيابة عن نفسه، وبذلك يكون الفقهاء المسلمون قد سبقوا غيرهم في تقرير فكرة استمرارية الدولة كشخص معنوي بغضّ النظر عن أشخاص الحاكمين من حيث البقاء أو الزوال، ولكن: هل يجوز أن يتعدد وزراء التفويض في الدولة أو في الإقليم الواحد؟
لعل الذي بعث على هذا التساؤل هو تشابك سلطات وزير التفويض كقاعدة عامة مع سلطات الخليفة أو الإمام. وقد حاول أبو يعلى الفراء في كتابه (الأحكام السلطانية) أن يجيب على هذا التساؤل فذكر تفصيلًا مؤداه: أنه لا يجوز أن يقلد وزيري تفويض على اجتماع، كما لا يجوز تقليد إمامين؛ لأنهما ربما تعارضا في العقد والحل والتقليد والعزل وقد قال الله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (الأنبياء: من الآية: 22) فإن قلد وزيري تفويض نظرنا، فإن فوض إلى كل واحد منهما عموم النظر لم يصحّ لما ذكرنا، ثم ننظر فإن كان في وقت واحد بطل تقليدهما معًا، وإن سبق أحدهما الآخر صح تقليد السابق وبطل تقليد المسبوق، وإن أشرك بينهما في النظر على اجتماعهما فيه ولم يجعل إلى واحد منهما أن ينفرد به صحّ الأمر، وتكون الوزارة فيهما لا في واحد منهما، ولهما تنفيذ ما اجتمعا عليه وليس لهما تنفيذ ما اختلفا فيه ويكون موقوفًا على رأي الخليفة وخارجًا عن نظر هذه الوزارة، وتكون هذه الوزارة فيها تقصير عن وزارة التفويض المطلق من مرحلتين أحدهما: اجتماعهما على تنفيذ ما اتفقا عليه،