ووضع معاوية بن أبي سفيان قاعدتين أخريين لضمان سير النظام اللامركزي سيرًا سليمًا وللحيلولة دون أي انحراف قد يطرأ على عماله، وتمثلت القاعدة الأولى في فصل الإدارة المالية للولاية عن التبعية للأمير وجعلها تابعة مباشرة للخلافة في دمشق، واشتهر رأس تلك الإدارة باسم صاحب الخراج الذي صار قوة يعمل أمير الولاية له كل حساب ولا سيما أن شئون المال كلها في يده، غير أن الالتزام بهذه القاعدة لم يكن مطلقًا إذ عهد الأمويون إلى نفر من ولاتهم المشهود لهم بالتفاني والإخلاص التام بإدارة الشئون المالية أو تعيين صاحب الخراج من قبلهم، وصار أولئك الولاية أصحاب سلطان عريض وخير نموذج لثقة الأمويين في سلامة نظامهم الإداري اللامركزي.

وتمثلت القاعدة الثانية التي وضعها الأمويون في تعيين عمال لإدارة الولايات مهمتهم مراسلة الخلافة مباشرة وإحاطتها علمًا بكل ما يجري في الولاية، سواء ما يختصّ بالأمير أو بالأهالي، ولكن هذه القاعدة بدورها لم تكن قيدًا على أمراء الولايات وإنما كانت سبيلًا للمشاركة في التوجيه بما يحفظ لنظامهم الإداري الاستقرار وتجنب المزالق التي تخفى على الأمراء أنفسهم، إذ ظل الأمويون حريصون على منح أمراء الولايات كل حرية مطلقة إيمانًا منهم بأن الشاهد أقدر من الخليفة المقيم في دمشق على إدراك حقيقة الأمور وعلى البت بالتالي دون إضرار بمصالح الرعية، واحترام خلفاء بني أمية هذه الحرية التي تمتع بها أمراء الولايات ولا سيما أولئك الخلفاء الذين عُرف عنهم الحرص الشديد على الصالح العام،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015