وكان للبيئة التي نشأ فيها معاوية أثر كبير أيضًا في اختيار رجال إدارته اللامركزية عن ثقة ودراسة وعلم راسخ، فهو ابن أبي سفيان زعيم مكة وأعظم شخصياتها حنكة وتجربة وأوسعها اتصالًا وخبرة بالبيوتات الكبرى في مدن الحجاز وخارجها كذلك، فتلقن معاوية على يد هذا الوالد الخبير أصول الحكم وإدارته كما يفهمه أهل مكة، ووفق وجهة النظر التي آمن بها أبو سفيان من حيث تكوين الأنصار والأشياع واصطناع الرجال والعمال.
ووقع اختيار معاوية على أبناء ثقيف من أهل الطائف لتشكيل إدارته الجديدة، ونبغ من بني ثقيف على عهد معاوية المغيرة بن شعبة الذي تولى إمرة الكوفة، وزياد بن أبيه الذي تولى إمرة البصرة، إذ حمل هذان الرجلان في إخلاص عميق ومثالية رائعة لواء النظام الإداري اللامركزي في شرق الدولة، وأسهما مع معاوية في وضع أسس هذا النظام الجديد وإقراره، وأخيرًا عزز معاوية هذه الطبقة من رجال إدارته بمجموعة اختارها من ذوي التجارب الواسعة وكذلك ممن لهم مطامح يمكن استغلالهم عن طريقها؛ لتحقيق أهداف نظامه اللامركزي، ومن ثم ظهرت طبقة جديدة من الرجال استفاد منها معاوية لخلق توازن داخل الإدارة اللامركزية والهيئات المختلفة العاملة فيها، وتكونت هذه المجموعة من أبناء الطبقة الوسطى من قريش الذين لا يخشى الأمويون منهم بأسًا أو ضررًا، وصار من الممكن الاعتماد عليهم في إدارة المناطق النائية أو الولايات المليئة بأسباب الفتن والقلاقل.