الدولة, على عهد الخليفة عمر بن الخطاب؛ ذلك أن الفتوحات الإسلامية التي تمت على عهد هذا الخليفة جعلت العرب سادة الهلال الخصيب, , وفارس, ومصر, وهي مواطن جغرافية هامة, كانت أقدم مراكز للنظم الإدارية في العالم بأسره, فورث العرب تلك النظم القديمة التي ترجع تقاليدها إلى عصور اليونان, والرومان, والفرس, والفراعنة, والآشوريين, والبابليين, واعتبروها تراث الإنسانية كلها, قد آل إليهم, وأنهم صاروا القوامة, والمسئولين عن سلامة هذا التراث, ثم الإفادة منه.

وضرب الخليفة عمر بن الخطاب بنفسه المثل العملي للإفادة من تلك النظم القديمة, في سبيل بناء النظام الإداري للدولة الإسلامية الناشئة, ذلك أن إدارة الممتلكات الجديدة على عهده كانت تمثل مشكلة خطيرة أمام السلطات الإسلامية؛ إذ تضم تلك الممتلكات بلادًا ذات شعوب متعددة اللسان, وتخضع لأنماط إدارية متباينة, فمصر, والشام, جرت إدارتها على النماذج البيزنطية, على حين سادت العراق, وفارس, التقاليد الفهلوية لغةً, ونظامًا, فأبقى الخليفة عمر بن الخطاب على التنظيمات الإدارية, وكذلك المؤسسات الإدارية نفسها في البلاد المفتوحة على نحو ما كانت عليه؛ حتى لا يضطرب سير الأعمال, وللإفادة من خبرة العمال بها أيضًا, وفي نفس الوقت طعم هذه الإدارات بالروح العربية الجديدة التي صقلها الإسلام, وزودها بتعاليم سامية تستهدف خير الإنسانية, ورفاهيتها, واستمدت الروح العربية مقوماتها من مفهوم السلطان في الإسلام, وهو يقوم على أن السيادة العليا لله -سبحانه وتعالى- وهو مالك كل شيء, وهو الحامي والمهيمن على المصالح العامة, فالمال في الدولة هو مال الله, والجند جند الله, أي أن كلمة الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015