لقد أعطى أبو بكر الأمة الإسلامية حقها في مراقبة أعمال الخليفة, وتبدأ أعمال أبو بكر منذ إسلامه, حين وضع جنبًا إلى جنب الحجر الثاني في دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- وتأسيس دولة الإسلام, فهو أول المسلمين, وأول المهاجرين, وهو مسئول الأمن الخاص للرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمين سره, ومستشاره الأول في قضايا الدين, والرعية, والمدة الطويلة التي لازم فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- منذ نشر الدعوة, وحتى وفاته, قد أكسبته الخبرة الإدارية الفائقة التي أهلته بحق للنجاح في إدارة الدولة الناشئة, ورعاية مصالح المسلمين في أدق مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي.
لهذا فإن أبا بكر بعد توليته الحكم, صمم منذ اليوم الأول على أن ينهج نهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويترسم خطاه, ويسلك السبيل الذي سلكه في سبيل نشر الإسلام, وتوحيد العرب, دون أن يخاف وهنًا, ولا حيرة, ولا جبنًا, فكانت سياسته في الحكم إقتداء تام بسياسة وحكم الرسول -صلى الله عليه وسلم- فاتبع سيرته في الإدارة, واحتفظ بالعمال الذين عاونوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- والأمراء الذين أمرهم, واختار أبا عبيدة بن الجراح للشئون المالية, وعمر ابن الخطاب للقضاء, وأبقى على زيد بن ثابت كاتبًا له, كما أبقى على أهل الشورى الذين اختارهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع تغيير في بعض الأشخاص, بسبب تعيينهم ولاة على بعض الأمصار, وأما قضاء الولايات فكان يعهد إلى الولاة في اختيارهم؛ لأنهم أدرى بها, ثم يعقد لهم ولاية القضاء.
نكتفي بهذا القدر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
4 - الإدارة في عهد عمر بن الخطاب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد, وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... أما بعد:
فقد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن المنهج الإسلامي في التنظيم, ثم عن المنهج الإسلامي في الرقابة, ثم بدأنا الحديث عن التنظيم الإداري في مجال التطبيق العملي, فتحدثنا عن الإدارة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم تحدثنا عن الإدارة في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه وأرضاه.
ونتحدث الآن عن الإدارة في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- فنقول:
نما النظام الإداري في الدولة الإسلامية على هدي التعاليم التي قررها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وصار قادرًا على مواجهة التطور الهائل والسريع الذي شهدته تلك