ترادف في مصطلح العصر الحاضر الصالح العام, بمعنى أن مال الله هو الأموال العامة اليوم, وجيش الله هو الجيش الذي ينهض بأعباء الصالح العام, غير أن الله -سبحانه وتعالى- لا يمارس الحكم, والإدارة بنفسه, أو بصورة مباشرة بين الناس, على نحو ما ساد نظم الحكم القديمة لدى الفراعنة مثلًا, وإنما السيادة العليا التي ترجع إلى الله -سبحانه وتعالى- مودعة للخليفة الذي يعتبر رأس النظام السياسي, والمهيمن على أزمَّة النظام الإداري, فالخليفة هو رجل الدنيا الذي يتولى الإشراف على المصالح العامة, التي هي لله -سبحانه وتعالى- والخليفة وحده بالتالي هو صاحب الحق في اختيار من يشاء لتصريف شئون الإدارة والحكم, وهو المسئول عن أعمال من يختارهم؛ لأنهم خاضعون له, ويعملون باسمه, ويباشرون سلطانهم بتفويض منهم.
واقتضى هذا المفهوم الإسلامي عن السلطان أن يكون النظام الإداري مركزيًّا؛ لأن الخليفة هو المسئول عن تنفيذ القانون, وأن الرابطة بينه, وبين عماله, يجب أن تكون علاقة مباشرة, ومن ثم فإن أي تمرد على أولئك الولاة يعتبر تمردًا ضد الخليفة نفسه, وأن المسئولية أولًا وأخيرًا هي مسئولية الخليفة, وآمن الخليفة عمر بن الخطاب بهذا المفهوم إيمانًا عميقًا عبر عنه في قوله: والله لو عثر بعير بالعراق لكنت مسئولًا عنه, ثم أكد هذا المفهوم مرارًا, وفي مناسبات عديدة, كان آخرها قوله: لئن عشت لأسيرن في الرعية حولًا, فإني أعلم أن للناس حوائج تُقطع دوني, يعني لا يصلني خبرها, أما عمالهم -أي عمال الرعية- فلا يرفعونها, وأما هم -أي الرعية أنفسهم- فلا يصلون إليَّ, فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين, ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين, ثم أسير إلى مصر فأقيم بها شهرين, ثم أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين, ثم أسير إلى