الاتصال بين النبي باعتباره رأس الدولة الجديدة, وبين جماعة المسلمين, وذلك على هدي القاعدة التي سبق أن تقررت إداريًّا في بيعة العقبة الثانية.
وعرف الرسول -صلى الله عليه وسلم- في رجال إدارته خصائصهم, وحث الناس بالتالي على أمثل السبل للإفادة من نشاطهم, فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((أرحم أمتي بأمتي أبو بكر, وأشدهم في دين الله عمر, وأصدقهم حياء عثمان, وأقضاهم علي, وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل, وأفرضهم (يعني أعلمهم بالفرائض) زيد بن ثابت, وأقرؤهم أبي بن كعب, ولكل أمة أمين, وأمين هذه الأمة أبو عبيد بن الجراح)) وقال -عليه الصلاة والسلام- أيضًا: ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود, وأبي بن كعب, ومعاذ بن جبل, وسالم مولى حذيفة)) واشتهر بحفظ القرآن كله من الأنصار: أبي, ومعاذ, وزيد بن ثابت, وانتقى من هذا النفر من علماء الصحابة كتبةً له, يدونون القرآن عقب نزول الوحي به مباشرة, وغير ذلك مما تتطلبه شئون الإدارية في الدولة الإسلامية الوليدة, وكان أولئك الصحابة من الكتبة, وهم في الجاهلية, وصدر الإسلام, ممن اشتهروا بالمقدرة على الكتابة باللغة العربية, وإجادة صنائع كثيرة, ويبلغ عدد كتبة النبي -صلى الله عليه وسلم- اثنين وأربعين رجلًا.
وبدأ بعد عام الوفود, أي منذ السنة التاسعة للهجرة ظهور طبقة العمال الإداريين؛ نظرًا لنمو الدولة الإسلامية الوليدة, واتساع سلطانها على جميع أرجاء شبه الجزيرة العربية, واقتضى الأمر تقسيم تلك البلاد إلى وحدات كبرى, تسهل تنظيم شئون أهلها, وربطها مباشرة مع العاصمة الجديدة للدولة الإسلامية في المدينة المنورة,