وكانت العاصمة, وما حولها من مناطق تخضع للإدارة المباشرة للنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلى حين صار لمكة وال يتلقى منه -عليه الصلاة والسلام- التوجيه, وكل ما تقتضيه شئون الإدارة الجديدة.
وانقسمت بلاد العرب إلى جانب هاتين المدينتين المقدستين على مقاطعات هي: تيماء, والجند, وبني كندة, ونجران, وحضرموت, وعمان, والبحرين, وجرت عادة الرسول الكريم منذ عام الوفود على أن يختار من بين الوافدين عليه أصلحهم لتولي شئون الإمارة في المقاطعة التي ينتمي إليها ذلك الوفد, وذلك بما يتوافر لهذا الأمير من مؤهلات, دون نظر للسن, ومن ذلك أنه حين وفد عليه وفد ثقيف أمَّر عليهم الرسول عثمانَ بن أبي العاص, وكان أحدثهم سنًّا؛ وذلك لأنه كان أعلمهم, ثم زوده الرسول الكريم بتعليماته عند عودته إلى مقر إمارته قائلًا له: يا عثمان تجاوز في الصلاة, وأقدر الناس بأضعفهم؛ فإن فيهم الكبير, والصغير, والضعيف, وذا الحاجة, وقام إلى جانب كل أمير عامل آخر عيَّنه النبي من قِبله لجمع الزكاة, والصدقات, فضلًا عن تعليم الناس القرآن, وما يتصل بشئون الدين من معاملات, ودرب النبي بنفسه هذا النفر من العمال, حتى صاروا مثالًا عاليًا للشرف, والنزاهة, والإخلاص في العمل.
ومن أمثلة ذلك ما فعله الرسول الكريم حين بعث معاذًا إلى اليمن, إذ قال له: ((إنك تقدم على قوم أهل كتاب, فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله, فإذا عرفوا الله تعالى, فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم, وترد على فقرائهم, فإن هم أطاعوك لذلك فخذ منهم, وتوق كرائم أموالهم, واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))