أي أن الأحناف يقولون بأنه إذا فسق ففي هذه الحالة لا يكون واجب العزل أو لا ينعزل بمجرد هذا الفسق، وإنما الأمر يكون متروكًا لأهل الحلّ والعقد، فإن رأوا عزله عزلوه وإن رأوا إبقائه أبقوه، لكن في حالة ما إذا رأوا عزله عليهم أن يلاحظوا ما يترتب على عزله من فتن، فإن ترتب على عزله فتن فعليهم ألا يعزلوه في هذه الحالة. وقد استند الحنفية في رأيهم هذا إلى أن الصحابة -رضي الله عنهم- صلوا خلف بعض بني أمية وقبلوا ولايتهم، فقد صلى غير واحد منهم خلف مروان بن الحكم قالوا: وروى البخاري في تاريخه "أدركت عشرة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلهم يصلي خلف أئمة الجور".
وعدم انعزال الرئيس بالفسق هو ما يراه أكثر العلماء؛ لأن السلف كانوا يرون الفسق ظاهرًا والجور واقعًا من الأئمة بعد الخلفاء الراشدين، وكانوا مع ذلك ينقادون لهم، وكان الصحابة والتابعون ومن بعدهم يرون خلافة بني أمية وبني العباس مع أن أكثر بني أمية وأكثر بني العباس كانوا فساقًا.
وبعد فهذه هي آراء العلماء في انعزال رئيس الدولة بالفسق والجور، وأننا نرى أن الرأي القائل بوجوب عزل رئيس الدولة بالجور والفسق إذا لم تكن فتنة هو الأولى بالقبول، فيجب على أهل الحلّ والعقد في الدولة إذا رأوا جور رئيس الدولة أو فسقه أن يعلنوا عزله عن منصبه إذا أمنوا وقوع الفتن وأن يقوموا باختيار من هو أهل للرياسة بعد ذلك، وأما إذا لم يأمنوا وقوع الفتن فلا يجوز لهم عزله، وإنما قلنا بوجوب عزله إذا جار أو فسق بشرط عدم الفتنة؛ لأنه إذا كنا شرطنا العدالة فيمن يولى رئيسًا على