المسلمين فإن فقدان هذا الشرط إذا كان قادحًا في استحقاق تولي منصب الإمامة ابتداء، فإنه يجب أن يكون قادحًا في استمرار الإمامة أيضًا؛ لأن علة اشتراط هذا الشرط لا تزول بمجرد تولية هذا المنصب والإمامة قيادة لأمة مسلمة، وكما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو القدوة الحسنة لكل المسلمين حكّامًا ومحكومين في جميع الأعصر فإن رئيسهم يجب أن يكون مثلهم في الاقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم- والخضوع لأحكام الدين الذي اختير لحراسته؛ لأن الناس على دين ملوكهم فإذا فسق الرئيس أو جار وهو القائم على قمة السلطة التنفيذية في الدولة -فإن إيمان الناس بالفضيلة والعدل قد يهن، وقد يتخذه من لم يتمكن الإسلام من نفوسهم في سلوكهم مثلًا وقدوة، وفي هذا أعظم الضرر على الدين وعلى الأمة.
وأما ما استند إليه القائلون بعدم الانعزال من أن الصحابة كانوا يصلّون خلف بعض بني أمية مع ظهور فسقهم، وأن التابعين كانوا يعترفون بخلافة بني العباس مع أن أكثر هؤلاء كانوا فساقًا فلا نسلم بهذا الاستدلال؛ إذ أن هؤلاء الحكام كانوا ملوكًا تغلبوا على الأمر، والمتغلب تصحّ إمامته للضرورة؛ حتى لا تتعطل مصالح المسلمين من فصل قضاياهم، وزواج من لا ولي لها، وجهاد الكفار وغير ذلك مما سبق بيانه، وليس بشرط في صحة الصلاة خلف الإمام أن يكون عدلًا فقد روى أبو هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برًّا كان أو فاجرًا، والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برًّا كان أو فاجرًا وإن عمل الكبائر)).
وبهذا نكون قد انتهينا من الحديث عن نظام الحكم في الإسلام.
أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.