وصفوة القول: أن الرئيس ينعزل عن منصبه إذا بطل تصرفه باستيلاء آخر على هذا المنصب بالقوة، سواء أكان الرئيس المقهور قد جاء إلى الحكم عن طريق اختيار أهل الحلّ والعقد أم كان هو الآخر قد قهره من سبقه.
الأمر السادس من الأمور التي ينعزل بها رئيس الدولة: جور الرئيس أي: ظلمه عباد الله تعالى، وفسقه أي: خروجه عن طاعته سبحانه وتعالى، فنقول: اختلف العلماء في جور رئيس الدولة وفسقه يعني: إذا أصبح ظالما وغير عادل: هل ينعزل بسببهما؟ أي: هل ينعزل بسبب الظلم وبسبب الفسق الذي طرأ عليه بعد أن تولى الرئاسة أم لا؟
نقول: فأما الخوارج فإنهم لما كانوا يقولون بأن الفسق يُخرج مرتكبه عن الإمام قالوا بانعزال الإمام إذا فسق؛ لأنه حينئذ ليس مؤمنًا وغير المؤمن لا يصلح أن يكون إمامًا، وكذلك يرى المعتزلة انعزاله بالجور والفسق؛ لأنه إذا وجب انعزال القاضي وأمير الإقليم بظهور الفسق عليهما فإنه يجب انعزال الإمام من باب أولى إذا ارتكب ذلك، ويرى البعض أيضًا أنه لا ينعزل بذلك؛ لأن في انعزال الإمام ووجوب نصب غيره إثارة الفتنة لما له من الشوكة.
ولو رجعنا إلى الجماعة الأحناف فإنهم لما كانوا لا يرون العدالة شرطًا في صحة الولاية حيث يصحّ عندهم تقليد الفاسق رياسة الدولة لكن مع الكراهة كما بينا ذلك عند كلامنا على شروط رئيس الدولة -نقول: لما كانت العدالة ليست شرطًا عندهم في صحة رياسة الدولة فإنهم قالوا: إذا اختارت الأمة إمامًا توافرت فيه صفات العدالة ثم جار أو فسق فإنه لا ينعزل عن منصب الإمامة ولكنه يستحق أن يعزله أهل الحلّ والعقد إذا أمنوا وقوع الفتنة، وإن لم يؤمن وقوعها فلا ينعزل.