المسألة الثانية: انعزال رئيس الدولة لا عن طريق نفسه:

أجمع المسلمون على أن رئيس الدولة إذا لم يحدث أمرًا يخل بعدالته أو يتغير حاله فلا يجوز للأمة أن تعزله، يقول البعض: ولا يجوز خلع الإمام من غير حدث ولا تغير أمر، وهذا مجمع عليه؛ وذلك لان المسلمين أيام الفتنة التي اشتعلت في عهد الخليفة الثالث عثمان -رضي الله عنه- قد اختلفوا على قولين لا ثالث لهما، فمنهم من قال: إنه أحدث أمورًا أخلت بواجبات منصبه فيجب عزله، ومنهم من قال: إنه لم يحدث حدثًا يخلّ بواجباته فلا يجوز عزله، فما خرج عن هذين القولين فهو باطل بالاتفاق؛ وأيضًا لأن الإمام لم يكلف هذا المنصب إلا بعد أن توافرت فيه شروط خاصة، فإذا ما فقد هذه الشروط بعد توليته كان هناك سبب مقتض لعزله، وأما إذا ظلّ سليم الحال لا يأخذ عليه من ينكر من إخلال بأمور الدين أو بسياسة الشعب -فإن الإقدام على عزله آن ذاك ما هو إلا اتباع للأهواء وتلاعب بمنصب هو أخطر مناصب القيادة وهو ما يؤدي إلى الفساد، وأما إذا تغير حاله فوُجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين أو انتكاس أمور الدين فقد خرج حينئذ عن سمت الإمامة وأصبح مستحق الإقصاء عن هذا المنصب. هذا وقد بين العلماء الأمور التي بها يتغير حاله، فمنها ما هو راجع إلى خلقه وتصرفاته، ومنها ما هو راجع إلى بدنه، وسنتكلم عن هذه الأمور مبينين خلاف العلماء إن وجد عند الكلام عن كل أمر منها فنقول:

أول الأمور التي تخل بعقد الإمامة فينعزل الإمام بسببها هو: الردة، فإذا ما ارتد رئيس الدولة عن الإسلام فقد انعزل في نفس اللحظة عن الرياسة، يقول المولى سبحانه وتعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (النساء: من الآية 141)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015