وأي سبيل أعظم من سبيل الإمام، وأيضا لأن الإمام لم يكلف هذا المنصب إلا لحراسة الدين وسياسة الدنيا، فإذا ما ارتد عن الإسلام فكيف تتحقق منه حراسة الدين، إن ارتداده عن الدين يزول به مقصود الإمامة، وكل ما يزول به مقصود الإمامة مؤد إلى انحلال عقدها، فالردة مؤدية إلى انحلال عقد الإمامة وهذا أمر واضح لم يخالف فيه أحد من المسلمين.

وثاني الأمور التي ينعزل بها رئيس الدولة: زوال العقل، وقد بيّن العلماء أحوال زوال العقل، وبيّنوا لكل حال حكمها الخاص بها فقالوا: إن زوال العقل إما أن يكون عارضًا يُرجى زواله كالإغماء، أو لازمًا لا يرجى زواله كالجنون والخبل، فإن كان عارضًا مرجوًّا زواله كالإغماء فهذا لا يُبطل الرياسة، فلا يجوز لهم عزله؛ لأنه مرض قليل اللبث، وإن كان لازمًا لا يرجى زواله كالجنون والخبل فإما أن يكون مهبطًا لا يتخلله إفاقة أو يتخلله إفاقة، فإن كان مهبطًا لا يتخلله إفاقة فهذا يبطل عقد الإمامة؛ لأنه يمنع المقصود من الإمامة، وهو إقامة الحقوق واستيفاء الحقوق وحماية المسلمين؛ ولأن المجنون يجب إقامة الولاية عليه فكيف يتصور أن يكون هو واليًا على الأمة، وأما إن كان يتخلله إفاقة يعود فيها إلى حال السلامة فإما أن يكون أكثر زمانه الخبل أو أن يكون أكثر زمانه الإفاقة، فإن كان أكثر زمانه الخبل فالحكم فيه كما لو كان مهبطًا فيبطل به عقد الإمامة، وإن كان أكثر زمانه الإفاقة فقد اختلف فيه العلماء على رأيين: رأي يقول بأن ذلك يبطل عقد الإمامة كما يمنع ذلك من عقده له في الابتداء؛ لأن في ذلك إخلال بالنظر المستحق فيه، ورأي يقول لا يبطل عقد الإمامة وإن كان ذلك يمنع من عقدها له ابتداء؛ لأنه يراعى في ابتداء عقدها سلامة كاملة وفي الخروج منها نقص كامل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015