والأمر بالمشاورة قد ورد بالنسبة للرسول -صلى الله عليه وسلم- فلمن هو دونه أولى؛ لأن مصالح الأمة كثيرة ولا يمكن تحديدها، وتختلف باختلاف الزمان والمكان فلا يمكن تقييدها، ولذلك لا بد من المشاورة.
وبالجملة يمكن القول بأن واجبات الإمام أو الحاكم في الدولة الإسلامية ترجع إلى إقامة الدين وحراسته، وسياسة الدنيا بالدين، وإدارة شئون الدولة بمهارة وبراعة، ونشر العلم والمعرفة بكل السبل، واحترام العلماء وتقديرهم، فما أضيع تلك الدول التي يمتهن فيها العلماء ويقدم فيها الأدعياء، ويجب على الإمام أن يعمل على توفير الحياة الكريمة لرعيته متحليًّا في ذلك بما كان عليه سلف الأمة في عهد الخلافة الراشدة، ففي تاريخهم أمثلة يجب الاقتداء بها.
وإذا حاولنا المقارنة بين ما تقرر في الفقه السياسي الإسلامي بالنسبة لواجبات الخليفة وبين ما تقرره الدساتير الحديثة من وظائف الدولة -فإننا نجد أن الفقه الدستوري الحديث يجعل من وظائف الدولة وظيفة تشريعية وأخرى تنفيذية وثالثة قضائية، وهذه السلطات بعينها يمكن أن نستنبطها مما ذكره الفقهاء المسلمون بشأن واجبات الإمام أو الخليفة، ولكن مع ملاحظة طبيعة النظام الإسلامي الذي لا يكون فيه التشريع إلا لله سبحانه وتعالى، وتكون الشريعة فيه هي المحددة للحقوق والواجبات سواء بالنسبة للحاكم أو بالنسبة للرعية، ولكن يبقى مع ذلك امتياز النظام الإسلامي الذي يجعل من وظائف الإمام واجبات عليه، يسأل أمام الأمة عن تنفيذها قبل أن تكون سلطات له يتمتع باستخدامها وممارستها، ومعلوم أن الحاكم وكيل عن الأمة فتتقرر لذلك مسئوليته عن أخطائه أمامها، والحكم لا يكسبه أية مزية ترتفع به عن مستوى المُساءلة، فالرؤساء والمرؤوسون