يقتصر الله سبحانه وتعالى على التفويض دون المباشرة، ولا عذره في الاتباع حتىوصفه بالضلال، وهذا وإن كان مستحقًّا عليه بحكم الدين ومنصب الخلافة فهو من حقوق السياسية لكل مسترع، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) ولكن ليس معنى هذا أن الخليفة لا يلجأ إلى التفويض مطلقًا، فله بطبيعة الحال أن يستعين بالولاة والأعوان والوزراء، ويخصص لكل واحد مسئولتيه، ولكن عليه أن يراقب كل هؤلاء ويتفقد أحوالهم باعتبار مسئولتيه الأولى كما ذكرنا، ولأنه قد يخون الأمين ويغشّ الناصح، كما قال الماوردي.

وقد أشار أحد الباحثين إلى أن حقّ الخليفة في تفقد الرعايا ينقسم إلى قسمين: لأنه إما أن يكون بالنسبة للخاصة، أو للعوام. فالنسبة للخاصة وهم أولو المراتب والحكام ومن يتقلد الأمر عن السلطان فيجب على الملك أن يتفقد أحوال كل منهم وما يتعلق به وما يصدر عنه وما يجب عليه وما يحدث منه، فإن وجده على السداد شكره وأنعم عليه، وإن وجده بخلاف ذلك عزله. وأما ما يتعلق بأحوال العامة أو الرعايا في القرى والبوادي وأماكن الزروع والآثار فلا بد من التفقد لأحوالهم والتطلع على أخبارهم وما يصدر منهم والنظر في أمورهم وإصلاح شئونهم.

ولعل من أهل الواجبات التي يجب اعتبارها في هذا الصدد وعدم إهمالها أو التنازل عنها على الإطلاق -واجب الإمام في المشاورة في كل ما لم يرد نصّ عن الله ورسوله ولم يحدث إجماع بشأنه، ولا سيما في أمور الحكم والسياسية التي تنبني على المصالح عادة؛ لأن الخليفة في النظام الإسلامي ليس حاكمًا مطلقًا وإنما هو مقيد بنصوص الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء الراشدين العامة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015