في خضوعهم للحساب والعقاب سواء؛ لأن أساس التفاضل بين الناس في ميزان الشريعة هو التقوى والعمل الصالح، ولقد وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- نفسه أول سابقة دستورية في هذا الصدد، فقد أورد ابن سعد في طبقاته: ((دخل الفضل بن عباس على النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه فقال: يا فضل شدّ هذه العصابة على رأسي فشدها، ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أرنا يدك، قال: فأخذ بيدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فانتهض حتى دخل المسجد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنه قد دنا مني حقوق من بين أظهركم وإنما أنا بشر، فأيما رجل كنت قد أصبت من عرضه شيئًا فهذا عرضي فليقتصّ، وأيما رجل كنت أصبت من بشره شيئًا فهذا بشري فليقتصّ، وأيما رجل كنت أصبت من ماله فهذا مالي فليأخذ منه، واعلموا أن أولاكم بي رجل كان له من ذلك شيء فأخذه أو حللني فلقيت ربي وأن محلل لي)) فإذا كان هذا هو شأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفلا يكون من هو دون ذلك بكثير جدًّا من الخلفاء والحكام والأئمة من باب أولى؟! هذا بالإضافة إلى المسئولية الأخروية أمام الله تعالى إذ ما خان الحاكم أمانته وضيع رعيته، فقد حذّر الشرع من ذلك كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الأنفال: 27) وقال تعالى في سورة القصص بعد أن ذكر قصة فرعون وعتوّه وفساده في الأرض: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنْ الْمَقْبُوحِينَ} (القصص: 41، 42)