القسم الثالث: أن يكون المعهود إليه غائبًا، وحينئذٍ فينظر في حاله؛ فإن كان مجهول الحياة لم يصح العهد إليه، وإن كان معلوم الحياة صح العهد إليه وكان موقوف على قدومه، فإذا مات الإمام العاهد وولي العهد لا زال غائبًا وجب أن يستقدمه أهل الحل والعقد، فإن جاء تولى إمامة المسلمين، وإن ظل غائبًا وتضرر المسلمون لطول غيبته اختار أهل الحل والعقد واحدًا آخر نائبًا عنه حتى يحضر، وتكون أحكامه فيهم كأحكام الإمام، فإذا قدم الغائب انعزل نائبه.

رأينا في ولاية العهد: يتبين من تتبع كلام الفقهاء عن العهد أن جمهورهم يعتبرون عهد الخليفة إلى واحدٍ كافيًا في انعقاد الإمامة له، ولا يحتاج لتتم له البيعة إلى مبايعة أهل الحل والعقد بعد عهد الإمام، بل في استطاعته أن يعهد إلى من يراه صالحًا للإمامة بعده من غير أن يستشير في ذلك أحدًا، وكل ما عليه هو أن يجتهد ما وسعه الاجتهاد في هذا الاختيار.

يقول الإمام النووي: إن الخليفة إذا أراد العهد لزمه أن يجتهد في الأصلح، فإذا ظهر له واحدٌ جاز أن ينفرد بعقد بيعته من غير حضور غيره ولا مشاورة أحد، والناظر في هذا يرى أن العلماء بقولهم بهذا الرأي إنما يعتمدون في ذلك على أمرين:

أولهما: أن الإمام الذي يعطي هذا الحق إنما هو إمامٌ مثاليٌّ قد تمت مبايعته بالطريق الشرعي الصحيح، والذي بينا شروطه -فيما سبق- عند كلامنا على شروط الإمامة، فتوافر هذه الشروط فيه من شأنه أن يجعلَنا نثق فيما يقوم به من أمور الحكم ثقةً كاملةً، ونؤمن بأنه لم يزغ فيما قام به من عهدٍ عن الطريق الواجب، فلم يعهد إلى واحدٍ بعينه إلا بعد أن رآه صالحًا لرئاسة الأمة، ولم يتأثر في ذلك العمل بقرابةٍ أو صداقةٍ أو محبةٍ، بل كان فيما قام به إنما يقصد مصلحة الأمة ووجه الله -تبارك وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015