الأمة كلها اللهم إلا إذا قل عدد أفراد جماعة أهل الحل والعقد؛ فحينئذ تكون الضرورة هي الملجئة إلى القول بانعقاد الإمامة بالعدد القليل، إلا أن هذا لا يعني أن نقول -كما قال البعض- أنه لا تصح البيعة إلا بالإجماع من فضلاء الأمة في أقطار البلاد؛ لأنه لو صح أن الإمامة لا تنعقد إلا بالإجماع من أهل الحل والعقد لما صحت إمامة أبا بكر، فإن الثابت أن سعد بن عُبادة لم يبايع أبا بكر إمامًا، وإنما ترك اجتماع السقيفة وهو حانقٌ ثائرٌ غير راضٍ عن مبايعة أي من المهاجرين، وعلي بن أبي طالب ظل ممتنعًا عن مبايعة أبي بكر ستة أشهر كما تقول بعض كتب التاريخ، ولو قلنا بذلك أيضًا لكان هذا -كما يقول ابن حزم- تكليف ما لا يطاق، وما ليس في الوسع، وما هو أعظم من الحرج والله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وإنما نقول في هذا الأمر بوجوب مبايعة الأكثرية من أهل الحل والعقد.
والخلاصة في هذا: أن الرأي الراجح من هذه الآراء التي اختلفت بالنسبة للعدد الذي تنعقد به الإمامة من أهل الحل والعقد هو: الرأي الذي يقول بانعقادها بالأكثرية من أهل الحل والعقد؛ لأن أهل الحل والعقد مهما كان فيه من صفات الكمال فهم بشر غير معصومين، فلا نأمن من جانب الهوى والنفس أمارة بالسوء، فمن الجائز أن تميل القلة إلى شخصٍ غير مستحقًا للرياسة فيبايعوه، فحتى نأمن ذلك أو حتى نظن أمان ذلك يجب اشتراط الأكثرية المطلقة عند مبايعة رئيس الدولة، ولا يصح النظر إلى البلاد الذي ينتمي إليها هؤلاء الأكثرية، فالبيعة من الأغلبية المطلقة من أهل الحل والعقد صحيحة حتى ولو لم يكن فيهم واحد من أهل العاصمة؛ لأن القول بأنه لا بد في صحة عقد الإمامة من أن يكون الذين بايعوه هم أهل الحل والعقد الموجودين ببلد الإمام تحَكْمٌ لا برهان عليه.