خوف وقوع الفتنة بين المهاجرين والأنصار، وليس هذا العمل أصلًا شرعيًا يُعمل به دائمًا، فمن بايع واحدًا من غير مشورة من أهل الحل والعقد فلا يصح أن يكون هو ولا من بايعه أهلًا للمبايعة، وقد رأينا أبا بكر -رضي الله عنه- عندما أراد ترشيح عمر بن الخطاب ليلي أمر الناس من بعده أطال التشاور مع كبار الصحابة، وعندما أخرج عبد الرحمن بن عوف نفسه من الترشيح للخلافة ووكل إليه أمر اختيار الخليفة بقي ثلاثًا لا تكتحل عينه بكثير نومٍ، وهو يشاور كبار المهاجرين والأنصار فيمن يصلح للإمامة، ولو كان بيعة الواحد كافية في انعقاد الإمامة لما بذل عبد الرحمن بن عوف هذا الجهد كله، ولا خلا إلى نفسه وقتًا يفكر في من يصلح في نظره لتولي هذا المنصب، ثم بايعه بعد أن يقتنع بصلاحيته للإمامة، وما على باقي أهل الحل والعقد، وسائر أفراد الأمة بعد ذلك إلا الانقياد للخليفة الجديد، والرضا ببيعة عبد الرحمن بن عوف، فعبد الرحمن بن عوف لو كان يرى أن الإمامة تنعقد بواحد من أهل الحل والعقد لفعل ذلك، لكنه يرى أن الإمامة لا تنعقد بواحدٍ من أهل الحل والعقد؛ ولذلك أتعب نفسه في المشاورة -في مشاورة المسلمين- فيمن يصلح أن يكون إمامًا، وأما الاحتجاج بأن عمر لما بايع أبا بكر -رضي الله عنهما- تبعه الصحابة ووافقوه على ذلك فلا يصح؛ لأن سبب اتباع الصحابة عمر في هذه المبايعة وموافقتهم عليها هو رضاؤهم بأن يكون أبو بكرٍ هو الخليفة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

فإذن يتبين مما سبق أن القول بأن الإمامة تنعقد بالواحد غير مُسَلمٍ، ومثل ذلك القول بانعقادها بالعدد القليل كالاثنين، والثلاثية، والأربعة، والخمسة؛ لأن أمر الإمامة -كما قلنا- لا يصح فيه انفراد فردًا أو أفراد قليلين بالبت فيما هو يهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015