أفراد الأمة, مما يوهم -في ظاهره- عدم الاعتداد بآراء جماهير الأمة, التي ما جُعل الإمام إلا للقيام برعاية مصالحها الدينية, والدنيوية, كان الواجب أن تسند مهمة اختيار الإمام إلى كل بالغ, عاقل, من أفراد الشعب, لا فرق في ذلك بين واحد, وواحد, حتى يكون الاختيار معبرًا تمام التعبير عما ترتضيه الجماهير, وسواء في ذلك أن يكون هذا الاختيار قد تم بطريق مباشر, كالاقتراع العام, أو بطريق غير مباشر, كأن يتم اختيار الإمام بوساطة هيئة خاصة ينتخبها الشعب, يسند إليها القيام بهذه المهمة الخطيرة, فقصر اختيار الإمام على جماعة خاصة مما يلفت نظر الباحثين؛ لأنه في الظاهر مخالف مبدأ إعطاء حق الاختيار لكل مواطن, حتى يكون الاختيار معبرًا عن الإرادة الشعبية تمام التعبير.
صحيحًا أن الإسلام يوجب على الجميع -أي جميع أفراد الأمة- أن يبايعوا الإمام, ويدخلوا في طاعته, بعد انعقاد الإمامة له بعقد أهل الحل والعقد, ولكن ذلك الوجوب إنما قُصد به إغلاق باب التفرق, حتى لا تكون الفتنة والفوضى بين الناس, ولذلك قال العلماء: إنه إذا تمت البيعة من أهل الحل والعقد في ناحية, وجب عليهم أن يخطروا بها سائر أهل الحل والعقد في النواحي الأخرى.
يقول البعض: وإن أقام بعض أهل الحل والعقد إمامًا سقط وجوب نصب الإمام عن الباقين, وصار من أقاموه إمامًا, ويلزمهم إظهار ذلك بالمكاتبة والمراسلة؛ لئلا يتشاغل غيرهم بإمام غيره وقد وقعت الكفاية, ولئلا يؤدي ذلك إلى الفتنة, فعدم مبايعة سائر أفراد الأمة لا يؤثر في انعقاد الإمام؛ لأن العقد يتم بمجرد مبايعة أهل الحل والعقد, ولا يكون العقد صحيحًا إذا لم يبايع الإمام أهل الحل والعقد, فإذا فرض بعد موت الإمام مثلًا أو عزله, أن اجتمع جماعة من غير أهل الحل والعقد, وعقدوا